صوت غالبية المجتمع الأمريكي ليجعل باراك أوباما رئيساً، وعندما حدث ذلك نزلوا يحتفلون بالشوارع بصورة هيستيرية، في الواقع لم يكونوا يحتلفون بشخص أوباما ولكنهم يحتلفون بتحقق أحلامهم الكبيرة التي رسموها من أجل الارتقاء حضاريا والإثبات أن أمريكا قد تجاوزت ثقافياً مسألة التعصب العرقي والتصويت بالفعل لرجل أسود لكي يكون رئيسا لأول مرة، أوباما نفسه وقبل أن يصبح رئيساً أعطى الوصف الملائم لذلك من خلال عنوان كتابه الشهير "جرأة الأمل"، لقد شرح ذلك بشكل عميق ومؤثر من خلال هذا الكتاب عندما وضع أكثر القضايا المعقدة التي تواجه أمريكا، وكيف عليهم أن يضعوا أحلاماً وآمالا جريئة، ويسعوا إلى تحقيقها.
لأوباما أيضا عبارة رائعة في كتابه الأول "أحلام من والدي" عندما قال: إن الشعوب تزدهر أو تنكمش بناء على أحلامها، للأسف أحيانا الأحلام لا تنكمش فقط وإنما تتحول إلى كوابيس، إن الأحلام الجريئة هي التي تدعو إلى وضع أكثر إنسانية وعدالة وتسامح، ما قامت به أمريكا بانتخاب أوباما مثلاً يأتي في سياق التأكيد على القيم الإنسانية التي تحارب التمييز العنصري، لهذا أعتبر مثل هذا الأمر حلماً كبيراً تحقق، في ماليزيا أعتبر التسامح بين المسلمين والبوذيين والهندوس الذين يشكلون شرائح المجتمع الرئيسية أحد مفاخر وأحلام المجتمع الماليزي التي تحققت، الرئيس الماليزي الأسطوري مهاتير محمد هو رجل أحلام كبيرة ويتحدث دائماً عن الحلم الكبير الذي ينتظر ماليزيا في عام 2020، إنه من الرائع أن يتم تحويل الأحلام إلى مواعيد محددة حتى يتم توجيه كل الطاقات من أجل تحقيقها، وليست أحلاما على مستوى صناعي واقتصادي فقط وهذا أمر شديد الأهمية، بل على مستوى اجتماعي وفكري وإنساني.
ولكن هناك أيضا تلك الكوابيس الفظيعة التي يمكن أن تنجرف إليها المجتمعات بصورة وحشية، لقد مرت ألمانيا بكابوس كبير عندما جرها هتلر إلى وضع مأساوي ورهيب لا زالوا يشعرون بمرارته، فرنسا أيضا مرت بمثل هذا الكابوس عندما حصلت مجزرة سانت بارتيملي التي راح ضحيتها في ثلاث أيام فقط أكثر من 3000 ألف بروتستانتي، لقد قام البابا الأصولي غريغوريوس بالاحتفاء بمثل هذا الكابوس الرهيب، وهو من أسس أيضا لكابوس محاكم التفتيش، ولكن المجتمع الألماني تخطى مثل هذه الكوابيس التي تعارض القيم الإنسانية وتؤكد على التفوق العرقي عندما استبدلوها بالأحلام الجريئة الإنسانية وقادهم ذلك لكي تكون كما هي الآن، ذلك المتحضر والمزدهر والذي يحترم حقوق الإنسان فرنسا أيضا استبدلت كل تلك الكوابيس ومن يصنعها بأحلام جريئة ساهم في خلقها عظماء حولوها الآن إلى بلد الأنوار، الفيلسوف العظيم فولتير كان أحد قادة هذه الأحلام الجريئة التي كانت تؤكد بكل قوة على وجوب هزيمة التعصب الديني والانغلاق ومحاربة العلم والفكر وكل هذه الأحلام الجريئة تحققت. الواضح أن فرنسا ذهبت خلف أحلامها وليس خلف كوابيسها، ولهذا وصلت إلى هذا المجد اليوم، وهي الآن تحتفل بمن ساهم بتحقيق هذه الأحلام الجريئة والكبيرة مثل فولتير أو ديكارت وغيرهم أما صانعو الكوابيس مثل غريغوريوس فقد تحول إلى مزبلة التاريخ مثل هتلر.
نحن في السعودية أيضا تحققت لنا العديد من الأحلام الجريئة، لنتذكر فقط ما قام به الملك العظيم عبدالعزيز الذي وضعنا في كيان واحد، ونتعرف الآن على الأحلام الكبيرة والجريئة التي يحققها الملك عبدالله (جامعة الملك عبدالله التي ستفتتح قريبا هي حلم كبير يتحقق)، ولكن علينا أيضا كمجتمع سعودي أن نضع أحلامنا الكبيرة ونسعى لتحقيقها، فالمجتمعات أيضا يجب أن تلتف خلف أحلام كبيرة تضمن لها مزيدا من الازدهار والتحضر والإنسانية، يجب أن تكون أحد أحلامنا هي القضاء على التعصب الديني بكافة أشكاله ونسعى لتحقيق حلم أن نكون مجتمعاً تزدهر فيه ثقافة التسامح الرائعة، إن مثل التسامح هو حلم لأنه ينسجم ليس فقط مع مصلحتنا كمجتمع سيزيد من تماسكه وارتباطه ببعضه، ولكنه أيضا يؤكد على القيمة الإنسانية الكبيرة، أيضا التعصب العرقي يجب أن نسعى للتخلص منه، ونرى الجميع متساوين معنا وأخوة لنا في الدم الإنساني، يجب أن تكون لنا أحلام بأن ننفتح على العالم، ونكتسب المعرفة ونشارك في خدمة أنفسنا وخدمة الآخرين، هناك أحلام أخرى كبيرة تتعلق بأن نرسخ في الثقافة قيم هامة مثل قيم الحرية والتعددية واكتساب الحس النقدي وحب القراءة والالتزام بقيم العمل والأخلاق العميقة التي تؤكد على النزاهة والصدق والحب، ومن المؤكد أن هناك أحلاما كبيرة أخرى وهي كلها تأتي في مصلحتنا ماديا وإنسانياً.
مجتمعنا السعودي مثل الشعوب الأخرى قادر على تحقيق أحلامه وتحدي ذاته وتحقيق التفوق والازدهار، وهو قادر أيضا على طرد الكوابيس التي تريد أن تؤخره إلى الوراء، وتجعله يتخبط في ثقافة الكراهية والتعصب والفشل، مثل هذه الكوابيس تغلف دائما في رداء الأحلام ولا أكثر بشاعة من أحلام مزيفة تدعو إلى مزيد من الكراهية والشر والعنف.
الحياة تبدو بشكل ما صراع بين الأحلام الكبيرة والكوابيس المزعجة، والتاريخ يعلمنا أين تقود كل من الأحلام والكوابيس، وهو أمر جماعي لأن شخصا واحدا لا يمكنه القيام بالأمر، علينا فقط أن نختار الأحلام أم الكوابيس ؟!