· المقدمة
قال الله تعالى في كتابه الكريم :
بسم الله الرحمن الرحيم
(( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير . و آتينا موسى الكتاب و جعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلاً . ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبداًً شكوراً . و قضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين و لتعلن علواً كبيراً . فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار و كان وعداً مفعولاً . ثم رددنا لكم الكرة عليهم و أمددناكم بأموال و بنين و جعلناكم أكثر نفيراً . إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم و إن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسئوا وجوهكم و ليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة و ليتبروا ما علوا تتبيراً ))
سورة الإسراء من آية 1-7
في 7/4/1414هـ الموافق 23/9/1993م أصدرت محكمة العدل العليا الإسرائيلية قراراً يقضي باعتبار المسجد الأقصى المبارك أرضاً إسرائيلية ووضعه تحت وصاية منظمة أمناء جبل الهيكل الصهيونية .
و يأتي هذا القرار خطوة على طريق هدم المسجد الأقصى و إقامة الهيكل المزعوم مكانه ، و هذا القرار لا يسنده قانون دولي أو حق شرعي أو سند أخلاقي .
فالتاريخ يحدثنا عن الكنعانيين و اليبوسيين العرب ، كيف بنوا القدس و المدن الفلسطينية الأخرى قبل أن يدخلها أحد من اليهود ، و أما المسجد الأقصى فهو قبلة المسلمين الأولى و مسرى نبيهم الكريم صلى الله عليه و سلم و أحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها ، و قد دخله الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أربعة عشر قرناً فاتحاً و ظلت راية الإسلام ترفرف فوق مآذنه عبر القرون ، فالأقصى في قلب كل مسلم و جزء من دينه .
· موقع مدينة القدس
تقع مدينة القدس في قلب فلسطين على تلال يتراوح ارتفاعها ما بين 720-830م عن سطح البحر ، و على خط طول 35شرقاً و خط عرض 34شمالاً ، و يحدها من الشرق وادي قدرون و هو يفصل بين سور المدينة الشرقي و بين جبل الزيتون ( جبل الطور ) ، و من الغرب وادي سلوان ، و من الشمال جبل المشارف ، و من الجنوب جبل المكبر و هو الجبل الذي وقف عليه الخليفة عمر رضي الله عنه عندما دخل المدينة فاتحاً ..
و تنقسم المدينة إلى قسمين :
1. القسم القديم : و هو المدينة التاريخية القديمة و يضم ساحة المسجد الأقصى المبارك ، و تبلغ مساحته كيلو متراً مربعاً واحداً ، و يحيط به سور من جميع جهاته يبلغ طوله نحو 4كم و ارتفاعه 12م ، و له سبعة أبواب مفتوحة و هي : باب الساهرة ، و باب العمود من الشمال ، و باب الخليل من الغرب ، و باب النبي داوود عليه السلام ، و باب المغاربة من الجنوب ، و باب الاسباط من الشرق ، و الباب الجديد من الشمال الغربي ، و هناك باب ثامن مغلق يسمى الباب الذهبي من الشرق .
2. و القسم الجديد : و كان ينقسم إلى منطقتين قبل الاحتلال اليهودي عام 1387هـ/1967م وهما القسم الشرقي و القسم الغربي ، و القدس الآن بأكملها و بمسجدها المبارك ترزح تحت وطأة الاحتلال اليهودي .
· القدس في ذاكرة التاريخ
· 3000ق.م : الكنعانيون ( اليبوسيين ) العرب يبنون المدينة .
· 1850ق.م : وصل النبي إبراهيم عليه السلام القدس ، و قابل ملكها الكنعاني الموحد ملكي صادق .
· 970-931ق.م : القدس تحت حكم النبي سليمان عليه السلام .
· 587ق.م : تدمير معبد وسبي اليهود على يد نبوخذ نصر البابلي .
· 135م : طرد اليهود من القدس على يد الإمبراطور هدريان الروماني .
· 400-636م : القدس تحت الحكم البيزنطي .
· 17هـ/638م : الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يفتح القدس .
· 493هـ/1099م : القدس تحت الاحتلال الصليبي .
· 583هـ/1187م : صلاح الدين الأيوبي يحرر القدس من الصليبيين .
· 923-1336هـ/1517-1917م : القدس تحت حكم الخلافة العثمانية .
· 1336هـ/1917م : القدس تحت الاحتلال البريطاني .
· 1369-1387هـ/1949-1967م : المدينة مقسمة بين الأردن و الاحتلال اليهودي ( شرقية و غربية ) .
· 1387هـ/1967م : استيلاء اليهود على القدس بالكامل .
· 1401هـ/1980م : حكومة يهود تعلن رسمياً أن القدس العاصمة الموحدة لدولتهم .
· 1414هـ/1993م : قرار محكمة العدل العليا الإسرائيلية باعتبار ساحة المسجد الأقصى المبارك أرضاً إسرائيلية و وضعها تحت وصاية منظمة ( أمناء جبل الهيكل ) .
· فتح القدس
توجهت خيول الفتح الإسلامي نحو بلاد الشام منذ عهد الصديق رضي الله عنه ، و لكن شاءت إرادة الله تعالى أن تفتح القدس على يدي الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عام 17هـ ، و قد قدم رضي الله عنه إلى القدس لاستلام مفاتيحها من بطريركها صفرانيوس راكباً على بعير أحمر عليه غرارتان في أحداهما سويق و في الأخرى تمر و بين يديه قربة مملوءة بالماء ، و خلفه جفنة للزاد ، و كان معه ثلة من الصحابة الأجلاء ، منهم الزبير و عبادة بن الصامت ، و كان أثناء مسيره يتناوب ركوب البعير مع خادمه ، و عندما بلغوا سور القدس كان دور الركوب لخادمه ، فلما رآه النصارى آخذ بمقود الراحلة و غلامه فوقها أكبروه و بكى بطريركها صفرانيوس و قال : (( إن دولتكم باقية إلى الدهر ، فدولة الظلم ساعة و دولة العدل إلى قيام الساعة )) . و لما تسلم مفاتيح المدينة كتب للنصارى أماناً و هو المشهور بـ (( العهدة العمرية )) ، و قد أمنهم فيه على أموالهم و ذراريهم و كنائسهم و كان من شروط النصارى في الأمان أن لا يسكن اليهود مدينة القدس ..
و ظلت القدس تحت رعاية الخلفاء المسلمين ، و قد تعاهدوا أسوارها و مسجدها بالبناء و الترميم ، كثير من مرافقها تحتفظ بلمسات البناء الأيوبية و المملوكية و العثمانية حتى اليوم ، و بقيت القدس تحت الحكم الإسلامي منذ الفتح العمري سنة 17هـ/638م و حتى اجتزاء اليهود قسماً منها عام 1368هـ/1948م ، ثم احتلوا ما تبقى منها عام 1987هـ/1967م . و هي الآن بأسوارها و مسجدها الأسير تنتظر الفاتحين .
· مكانة القدس عند المسلمين
لمدينة القدس مكانة عظيمة في نفوس المسلمين ، فهي المدينة المقدسة الثالثة بعد مكة المكرمة و المدينة المنورة و هي :
· مسرى النبي الكريم صلى الله عليه و سلم و منها عرج به إلى السماوات العلى لقول الله تعالى : (( سبحان الذي أسرى بعده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير )) الإسراء آية1
· و هي محضن المسجد الأقصى المبارك الذي شرع شد الرحال إليه مع المسجد الحرام و المسجد النبوي . فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : (( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ، مسجدي هذا و مسجد الحرام و مسجد الأقصى )) متفق عليه . و الصلاة فيه بخمسمائة صلاة . فعن أبي الدرداء رضي الله عنه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة ، و الصلاة في مسجدي بألف صلاة ، و الصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة )) حديث حسن روه الطبراني في الكبير .
· و هي بيت المقدس الذي ظل المسلمون يصلون إليه ستة عشر أو سبعة عشر شهراً بعد الهجرة ، عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : (( صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قِِبَلَ بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهراً )) رواه البخاري
· و هي موطن الطائفة القائمة على الحق ، فقد روى الإمام أحمد عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين ، لا يضرهم من خالفهم ، ألا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله و هم كذلك ، قالوا يا رسول الله : و أين هم ، قال : ببيت المقدس و أكناف بيت المقدس )) .
· و هي أرض مقدسة طاهرة مباركة بنص القرآن الكريم لقوله تعالى : (( يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم )) المائدة آية 21، و لقوله تعالى : (( و نجيناه و لوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين )) الأنبياء آية 71 ، و قال الله تعالى : (( سبحان الذي أسرى بعده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير )) الإسراء آية1
· و هي موطن الأنبياء عليهم السلام و مهبط الوحي عليهم ، و منهم إبراهيم و لوط و اسحق و يعقوب و موسى و داود و سليمان عليهم السلام ، و فيها أمّ ( في الصلاة ) الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم إخوانه الأنبياء في الصلاة ليلة الإسراء