لماذا تنتشر ظاهرة الوشم بشكل كبير وتصاعدي ... وباتت تغزو مجتمعاتنا في العقد الأخير ، ولماذا يقوم الإنسان بتلوين جزء بارزا او مخفيا من جسده منذ ألاف السنين خاصة في بعض الطقوس الدينية... ولعل في هذا التساؤل استحثاثا للعقل البشري للبحث فيما إذا كانت هذه الممارسة طبيعية من الناحية النفسية ...!!! خاصة وأنها لا تلقى اعتراضا اجتماعيا ملفتا ، فهل هناك دوافع نفسية او تداعيات لمثل هذه الممارسات ... وبعد استقراء العديد من الأبحاث والدراسات النفسية حول هذا الموضوع للإجابة عن ذلك ،يظهر بأن الوشم كأنه نوع من أنواع الاختلاق النفسي التعبيري عن الهوية الشخصية للفرد فهو يعكس مكنونات شخصيته ( من أنا ، وما هي شخصيتي ، وما هي رغباتي ، وأهدافي ، وفلسفة حياتي ...!!! ) هكذا هو النمط الفكري للذين يقدمون على الوشم ، أنها ظاهرة ناجمة عن اختلال قدرة الفرد على التعبير السلوكي او الفكري او العاطفي عن حياته النفسية ، ومما لا شك فيه انه نوع من الإزاحة للكبت النفسي، او إسقاط لمعاناة نفسية على الجسد. يعطي الفرد الإحساس بالقوة وارصان الذات ، أي أن الجزء الأكبر من حياته وشخصيته يراه من خلال هذا الوشم ويرى أن الناس سوف يفهمونهُ من خلال ذلك فلا يخجل بل يعتبر إظهاره في مناطق بارزة من جسمه ( مثل الذراع ، او الأيدي ، او الكتف ) إشباعاً لرغباته النفسية كما يشعر من خلال منظوره لذاته .
وهناك فئة قليلة تقوم بذلك كنوع من إيذاء الذات ( self destructive behavior ) ، خاصة إذا استُخدمت مواد سامة وفي مناطق متعددة، وهو نوع من( الماسوشية ) الواقعة على الجسد وهذا النوع من الاضطراب جزءا من الاضطراب في الشخصية فالأشخاص اللذين يكثرون من الوشم في جسدهم ذوي اضطرابات شخصية تحتوي الشعور بالعظمة ( البرانويا )، الناجم عن الشعور بالدونية ،وحب لفت الانتباه ، وتدني النضوج العاطفي والفكري والسلوكي ، وان كثيرا من هؤلاء ذوي سلوك غير سوي وأصحاب سلوكيات منحرفة ، كالاعتياد الكحولي او المخدرات وسلوكيات جُرميه متنوعة، ويتسمون بقلة الشعور بالمسؤولية واحترام الأعراف والتقاليد الاجتماعية ، إنهم يرون أنفسهم أحرارا.
ويقول احد الباحثين '' إن معظم الأشخاص الذين يوشمون أنفسهم يبحثون عن رضى نفسي مؤقت ولفترة قصيرة ، للتعبير عن الذات في أوقات عاطفية غير طبيعية ،سواء كانت مفرحة او مكدرة ، وهم بنفس الوقت لا يفكرون بالعواقب السلبية لهذه الاوشام على المدى البعيد ، (كالوصمة ، والنظرة السلبية الازدرائية من المحيطين تجاههم ، وعراقيل حصولهم على العمل) '' .
وفي العقد الأخير ظهر كثيرا من المدافعين عن الاوشام من مروجّي تجارتها يتهجمون على علماء النفس و الاجتماع ، و لقد وصل الحال بان تبنت هذه الظاهرة نواد ، ومئات من المواقع الالكترونية وجمعيات ، وأصبحت تجارة رائجة ومرغوبة وازدادت المغالاة في مكونات الوشم لتصبح fashion موضة .
ولقد أثبتت دراسات العلمية إن معظم الأشخاص الذين يقدمون على الوشم بعد فترة سن معين من النضج ، يبدأون بالبحث عن إزالة الوشم سواء بالجراحة او الليزر ولذلك فقد راجت وانتعشت كلتا الظاهرتين ( مراكز الوشم ومراكز معالجة إزالة الوشم ذات التكلفة العالية ) .
استشاري الأمراض النفسية و العصبية