لا شمشون الجبار ولا الاسكندر المقدوني ولا نابليون بونابرت ولا حتى المغول ممن جاءوا الى غزة في ازمان مختلفة استطاعوا ان يكسروا ارادة وعزيمة اهل هذه البلاد الضاربة جذورها في عمق التاريخ فغزة تعتبر من اشهر المدن في التاريخ القديم الم تكن همزة الوصل ما بين اسيا وافريقيا وما بين مصر وبلاد الشام.
منذ القديم القديم تروي كتب التاريخ عن بطولات هذا الشعب الفلسطيني في هذا المكان قطاع غزة حيث الصمود وحب الوطن المدهش فهذا الشعب في غزة المناضلة صخرة صلبة وقوية لا تلين لاي غريب او عدو او طامع او محتل.
وغزة التي تدور بها الايام! يوم لها ويوم عليها تتعرض للدمار وللحصار وللحروب وللاستقلال وللاحتلال والى الكفاح والنضال والصمود عبر تاريخها القديم والحديث نقرا عنها هنا ما كانت مجلة العربي قد كتبته في استطلاع مصور حول غزة وذلك في بداية الستينات من القرن الماضي بقلم رجاء مكاوي ومما فيه مثلا : ''عراقة فلسطين وماضيها الخالد وحاضرها البائس ومستقبلها المشرق المرموق باذن الله كل هذا يتجمع في غزة... تلك المدينة الجريحة المكافحة التي تحارب بيد وتبني بيد اخرى وتداوي جراحها بيد.. وتداريها باليد الاخرى حتى لا يشمت بها الاعداء والحاسدون وتمشي في شوارع غزة فيلفت نظرك ان اغلب شوارعها مسماة باسماء الشهداء واهمها شارع عمر المختار'' ثم يذهلك انك تسير في مدينة عامرة بالاثار التاريخية الهامة فهناك في غزة يرقد شمشون الجبار ? شمشون الذي حطم الهيكل على اعدائه ومات معهم وهو يقول قولته الشهيرة ''علي وعلى اعدائي يا رب'' !! وهنا مرض الجد الثاني للرسول الكريم (هاشم بن عبد مناف) وهو في الطريق من الشام مع احدى القوافل العربية فتتركه القافلة في غزة كي يستريح ولكنه يموت بعد ايام وفي غزة ايضا توجد الحجرة التي نام فيها نابليون بونابرت وهو في طريقة الى حصار عكا بعد ان قاومته غزة مقاومة الابطال.
فما يكاد يخلو شارع من شوارع غزة من اثر تاريخي له قيمته ولكن هذه الاثار مع الاسف سحبت عليها الايام ستار الغموض والنسيان.
ان (شمشون ) ذلك الطاغية الجبار الذي اخفى سر قوته في شعر رأسه افشت (دليلة ) الغزاوية بهذا السر لتنتقم لشعبها انه يرقد الان في قبر مهمش تسأل عن اسم صاحبة فيقولون لك انه قبر ولي الله الشيخ ابو العزم اما المعبد الذي هدمه شمشون فقد اقيمت على انقاضة مدرسة اما قبر هاشم بن عبد مناف فهو في داخل المسجد الذي بناه اهل غزة ونقلوا اليه رفات جد الرسول الذي تنسب اليه المدينة كلها لانهم يسمونها غزة هاشم اما عن مسجد عمر بن الخطاب فقد تحول هذا المسجد الى معهد ديني تابع للجامع الازهر. مساجد اخرى لها تاريخ وصله بشخصيات اسلامية شهيرة منها مثلا الامام الشافعي وهو الامام صاحب احد المذاهب الاسلامية (الشافعية ) والذي ولد في غزة ومنها رحل واستقر في مصر ومات هناك ودفن في القاهرة وللشافعي الامام والفقيه والشاعر شعر كثير عن غزة : واني لمشتاق الى ارض غزة وان خانني بعد التفرق كتماني سقى الله ارضا لو ظفرت بتربتها كحلت بها من شدة الشوق اجفاني وحول صراع غزة مع العدو الصهيوني الحديث يكتب الدكتور محمد الفرا المتخصص بالتاريخ الفلسطيني والصراع العربي الاسرائيلي قائلا : حينما تعرضت مصر في عام 1956 لعدوان ثلاثي من قبل بريطانيا وفرنسا بالتواطؤ مع اسرائيل صمد القطاع امام قوات اسرائيل المعتدية التي تفوقه عددا وعدة وتنظيما وتدريبا على الرغم من انه في وضع عسكري سيء للغاية فالعدو يحيط به من الشمال والشرق والبحر المتوسط من الغرب ولا يصله بمصر الا معبر ضيق مفصول بصحراء سيناء الواسعة كان من السهل على اسرائيل ان تفصل القطاع عن مصر كما يفصل الرأس عن الجسد وقد ابلى الاهالي بلاء حسنا عن قطاعهم الى ان نفذت ذخائرهم وخضع للاحتلال الاسرائيل الاول الذي استمر من اواخر عام 1956 حتى اوائل عام 1957 ولمدة 5 شهور لكن اثناء هذا الاحتلال ظلت حركة المقاومة تعمل ليلا ونهارا ولا يخمد لها أوار.
وفي حزيران 1967 قامت الحرب بين العرب واسرائيل فتعرض القطاع ثانية لهجوم اسرائيل انتهى باحتلال القطاع ولا يزال قطاع غزة يعاني من شبه الاحتلال وذلك بالحصار المفروض عليه حاليا.
لقد ضربت مدينة خان يونس مثلا اعلى في التضحية والفداء والبطولة والشجاعة فظلت المدينة تقاوم في سنة 1956 بعناء واصرار من شارع الى شارع ومن بيت الى بيت بعد ان سقطت جميع مدن القطاع وقراه. وكانت القوات الاسرائيلية تحارب بضراوة ووحشية حرب ابادة من البحر والبر والجو وتتوعد الاهالي بالابادة ان ظلوا على عنادهم دون استسلام ولكن نفذت ذخيرة المدينة في النهاية وانهارت المقاومة لعدم التكافؤ بين القوتين فدخل اليهود المدينة وفرضوا منع التجول ثم نادوا بمكبرات الصوت بضرورة تجمع الرجال في امكنة خاصة عن المدينة وتم فرز الشباب واطلق عليه جميعا الرصاص وقامت الدوريات بالمرور في المنازل فمن وجد في داره قتل دون استجواب وظلت الجثث تملأ الاماكن والساحات العامة حتى هدد الوباء المدينة واخيرا تم نقل الجثث في عربات والقيت في حفر ووريت التراب لعل اكبرها كان ملجأ يستخدم ضد الغارات الجوية في وسط المدينة اقيم عليه بعد جلاء العدو نصب تذكاري ضخم.