اصبح بالامكان معالجة الكثير من التشوهات التي تصيب الجنين قبل الولادة ومن داخل الرحم، مما يعني صيانة حياة الطفل الذي سيولد من الكثير من العاهات. قبل استعراض انواع التشوهات التي تصيب الجنين وكيفية علاجها قبل الولادة، لا بد من التعرف على كيفية حدوث هذه التشوهات، اذ يوضح الدكتور سامي نوح حسن استشاري طب الاطفال والاطفال حديثي الولادة في المستشفى الجامعي في نورثتيز ببريطانيا، مجموعة من العوامل التي قد تتعرض لها الأم وتسبب اصابة جنينها بالتشوهات. وجرى حديث «سيدتي» معه كالتالي: * ماذا يمكن ان تعمل الأم لكي لا يتعرض جنينها للتشوهات؟ ـ هناك عدة عوامل تؤدي الى حدوث تشوهات جنينية ويمكن حصرها بمجموعتين رئيسيتين وهما: العوامل الوراثية والعوامل البيئية او الخارجية. وتعتبر فترة الاسابيع الاولى من الحمل فترة حرجة لنمو وتكامل الجنين ولاصابته بالتشوهات في حال تعرضه الى ما يسبب ذلك، حيث يكون الجنين مرتبطا بالأم وهو في داخل الرحم بواسطة المشيمة التي تلتصق بالرحم بما يشبه الجذور. والمشيمة هي جهاز الارتباط ما بين الأم والجنين وتعمل على ايصال الغذاء والاوكسجين والمواد الاخرى من الأم إليه. اي ان ما تتناوله الأم او ما يصيبها من التهابات وامراض قد يصل الى الجنين عن هذا الطريق، مما قد يسبب الاذى في حالة عدم الانتباه الى ما تتناوله الأم من غذاء وادوية او مواد اخرى خلال الحمل، حيث ان بعض الادوية والاغذية والمواد الكيمياوية والاشعة قد تحتوي على ما يسبب تشوه الجنين. وتعرف هذه المواد بالمشوهات Teratogenes. وعليه فإن هناك امورا تجب الوقاية منها لكي لا تؤثر في الجنين ومنها: > الابتعاد عن التدخين لانه يؤثر في وزن الطفل. ويؤدي التدخين الى انخفاض نسبة الاوكسجين وارتفاع نسبة اول اوكسيد الكاربون في دم الأم وفي الجنين والمشيمة، مما يُوجِد بيئة غير صحية للجنين. وقد وجد ان وزن المولود الذي تدخن أمه يكون اقل بنسبة 200 غم كمعدل اذا ما قورن بمولود الأم غير المدخنة، وكلما ارتفع عدد السجائر في اليوم ازداد الخطر. كما ان التدخين يزيد من احتمال حدوث الاجهاض والولادة المبكرة او موت الجنين. ويمتد تأثير التدخين على الجنين الى ما بعد الولادة، حيث وجد ان الموت الفجائي غير المعروف السبب Cot Death يزداد في الاطفال الذين تدخن امهاتهم اثناء الحمل، كذلك هي الحال بالنسبة لالتهابات المجاري التنفسية والربو والتهاب الاذن الوسطى، كما يكون الطفل اكثر عرضة لتعاطي التدخين في المستقبل. ولا بد من الاشارة هنا الى ان البحوث الحديثة اثبتت ان الاشخاص الذين يولدون باوزان صغيرة يكونون اكثر عرضة لامراض القلب والشرايين والضغط والسكر عند الكبر، اذن تجنبي التدخين تماما. > التقليل من شرب القهوة لانها تحتوي على الكافين الذي قد تسبب كثرته الاذى للجنين. وقد اثبتت البحوث التي اجريت على الحيوانات اللبونة ان ارتفاع نسبة الكافين في الدم اثناء الحمل قد تسبب التشوهات في العظام والمفاصل. > تجنب اخذ اي دواء من دون استشارة الطبيب وهذا يشمل الادوية الشعبية والاعشاب وما شابه ذلك. ومن الامثلة المهمة على ذلك الاسبرين الذي قد يتعاطاه البعض دون استشارة طبيب عند الشعور بالصداع او غيره، الا ان هذا الدواء يجب ان لا يؤخذ في فترة الحمل دون علم الطبيب لانه قد يعرقل تخثر الدم عند الحاجة لذلك، وعليه فانه قد يؤدي الى نزف خطير بعد الولادة. وقد اثبتت البحوث على اجنة الحيوانات أنه قد يضر بالدماغ، لذا يستحسن تجنب تعاطيه، خاصة في النصف الثاني من الحمل. > الاشعة تشكل خطرا على الجنين، لكن ليس المقصود بذلك اشعة الشمس، بل الاشعاعات التشخيصية او النووية التي تتعرض لها الامهات العاملات في الاقسام او المختبرات التي تهتم بهذا الشأن، لذا يجب عدم التعرض اليها بتاتا خلال الحمل. > الكحول يؤثر في الجنين وقد يسبب له الخلل العصبي والتشوهات الجسمية، لا سيما في الوجه، كما يسبب له اضطرابات في السلوك. وتعرف هذه الحالة علميا بـ (تنادر الكحول الجنيني). > على جميع الامهات التأكد من انهن يمتلكن مناعة ضد الحصبة الالمانية او الحميراء Rubella قبل الحمل، وذلك بواسطة فحص الدم، لان الاصابة بهذا المرض خلال فترة الحمل يمكن ان تؤدي الى تشوهات جنينية خطيرة جدا تؤدي الى عاهات مستديمة كفقدان السمع وتشوهات الوجه والقلب وعدسة العين والتخلف العقلي. فاذا كانت الأم لا تمتلك المناعة ضد الحصبة الالمانية فانها يجب ان تأخذ التطعيم قبل ستة اسابيع من حصول الحمل على الاقل. ولا يجوز اعطاء اللقاح خلال فترة الحمل. كذلك بالنسبة لمرض الحماق أو جدري الماء (العنكز) Chickenpox، فإن الام التي لم تصب به في طفولتها لا تمتلك المناعة ضده مما يستدعي فحص الدم للتحري عن المناعة فاذا لم تكن موجودة يجب اعطاؤها اللقاح الخاص به قبل اسابيع من الحمل، لان اكتساب المرض اثناء الحمل قد يسبب تشوهات جنينية خطيرة. وعليه فان زيارة الأم للطبيب قبل الحمل بفترة لمعرفة العديد من الامور المهمة، خصوصا التطعيمات، تعتبر مهمة جدا. وعليه قد يكون الوقت المناسب لذلك هو ما قبل الزواج باسابيع، لان الدخول في ليلة الزفاف قد ينتج عنه حمل. فاذا كانت الام بحاجة الى تطعيم او وقاية اخرى فقد يكون الوقت متأخرا بعد ليلة الزفاف. > هناك مرض يسمى بداء المقوسات أو Toxoplasmosis وهو يسبب تشوهات خطيرة للجنين لو اصيبت به الأم خلال الحمل. ويمكن تجنب الاصابة به بعدم تناول لحم الدجاج غير المطهي جيدا وعدم التعرض لبراز القطط وارتداء الكفوف ذات الاستخدام الواحد عند التعامل مع براز القطط. > عدم تناول الجبن غير المبستر لانه قد يحتوي على بكتيريا تعرف بـ «اللستريا» Listeria والتي قد تسبب التشوهات للجنين او الاسقاط. > تجنب اكل الكبد لانه يحتوي على كميات كبيرة من فيتامين A الذي قد يسبب تشوهات جنينية لو اخذ بكميات كبيرة. > يجب ان تأخذ الأم حبوب حامض الفوليك Folic Acid قبل ان تصبح حاملا على الاقل بستة اسابيع ان امكن، وتستمر في اخذها خلال الحمل كله لان ذلك يقلل كثيرا من تشوهات الانبوب العصبي Neural Tube Defects. > علاج كافة الامراض التي في الأم تحت اشراف طبي دقيق، كالسكري وارتفاع الضغط والصرع والاكتئاب والغدد وغيرها، لان هذه الامراض او ادويتها بحاجة الى ضبط دقيق لكي لا تؤثر في الجنين. تشخيص الأمراض الجنينية * وسألنا الدكتور سامي عن طرق تشخيص امراض الجنين قبل ولادته فأوضح مجيباً: ـ اصبح بالامكان استخدام التكنولوجيا الحديثة بشكل اكثر دقة للكشف عن حالة الجنين وهو في بطن الأم وذلك بوسائل عديدة منها التطور الذي حصل في السنوات الاخيرة باستخدام الفحص بالموجات فوق الصوتية Ultrasound Scan، حيث يمكن بهذه الوسيلة السهلة والتي لا تسبب اي مضاعفات جانبية، اجراء مسح شامل للجنين بدءا من الاسبوع الثامن عشر من الحمل، ثم اعادة الفحص بناء على نتائج الفحص الاول. ويمكن لهذا الفحص ان يكشف عن التشوهات في الجهاز العصبي والقلب والشفة والحنك المشقوق وانسداد الامعاء وتشوهات الكلية والعمود الفقري والاستسقاء وتشوهات الجلد وغير ذلك. وهناك فحوص اخرى تجرى في حالات خاصة ومن هذه الفحوص، فحص دم الأم للتحري عن مستوى البروتين الجنيني الفا Alph Feto-Protein ومستوى HCG والـ Oestriol وكلها ذات اهمية في اعطاء فكرة عن احتمالية وجود جنين مصاب بالتشوه المنغولي. وهناك ايضا فحص الخلايا الجنينية للتأكد من الكروموسومات ويتم بأخذ عينة من السائل السلي او من المشيمة. * هل معنى ذلك ان بعض الامراض يمكن علاجها قبل ولادة الجنين، وكيف؟ ـ نستطيع تقسيم الامراض هنا الى قسمين: قسم يمكن علاجه والجنين لا يزال في بطن أمه، وهناك تقدم مستمر في هذا المجال. والقسم الآخر لا يمكن علاجه بسبب وجود مخاطر، لكن حتى في هذا القسم فإن التشخيص المبكر جدا للمرض يقلل كثيرا من المضاعفات المستقبلية. فقبل عشر سنوات مثلا لم يكن بالمقدور تشخيص توسع الحالب وحوض الكلية مما قد يؤخر علاج بعض امراض الحالب الى حين حصول تلف كلوي، اما في هذه الايام فيمكن تحديد ذلك واجراء فحص بعد الولادة مباشرة، ثم اتخاذ الاجراءات اللازمة للحفاظ على سلامة الكلية من العجز. وهناك ايضا حالات رغم انها نادرة الحصول الا ان تشخيصها اثناء الحمل ومعالجة الجنين داخل الرحم يساعد على منع التشوهات بشكل تام. ومن احسن الامثلة على ذلك مرض الاتكال على البيوتين Biotin Dependency ومرض يعرف بـ Methylmalonic Academia وكلاهما خطير على الحياة وهذا تقدم كبير، لكن للاسف فإن تشخيص وعلاج هذه الأمراض ليس بالمستوى المطلوب في معظم البلدان العربية. الدخول إلى الرحم * هل يمكن اعطاء امثلة على الحالات المرضية التي يمكن علاجها في الجنين؟ ـ يمكن علاج الجنين بوسائل عديدة منها اعطاء الدواء للأم، مثل اعطاء الدكساميثازون Dexamethasone وهو نوع من الكورتيزون قبل 24 ساعة من الولادة المبكرة على الاقل وذلك للتعجيل باكتمال نضوج الرئة ومساعدتها على القيام بوظيفة التنفس بعد الولادة المبكرة. كذلك يمكن اعطاء دواء الدجوكسين للأم في حالات الاجنة المصابة بتسرع القلب فوق البطيني Supraventricular Tachycardia. وهناك حالات يمكن فيها اعطاء الدواء او إجراء التداخل الجراحي للجنين بشكل مباشر مثل حالات تبديل دم الجنين عند وجود الاصفرار الجنيني الشديد والذي يعود إلى اختلاف مجموعة الدم او نقص الاقراص الدموية. * وهل يمكن اجراء تدخل جراحي للجنين وهو في الرحم؟ ـ ممكن اجراء هذا التدخل الجراحي في بعض المراكز الطبية المتقدمة، مثلا يمكن في حالات انخفاض نسبة السائل السلي القيام بزرق محلول السلاين المحلي لتجنب حدوث عاهات في مفاصل وعظام الجنين. وهناك محاولات اخرى تجري في بعض مراكز الأبحاث لاجراء عمليات للجنين بعد الاسبوع الثاني والعشرين من الحمل لمعالجة بعض التشوهات مثل الانبوب العصبي المفتوح والفتق الحجابي. كما ان هناك محاولات لبزل السائل الجنبوي Pleural Effusion وذلك لانقاذ الرئة من الضمور. كما يمكن بزل الانسداد الكلوي الذي يحصل في الحالب. وهناك محاولات اخرى من هذا القبيل الا ان بعضها قد اخفق وبعضها لا يزال قيد البحث. وفي كل الاحوال يجب دراسة الحالة بشكل دقيق قبل اتخاذ مثل هذه التدخلات الجراحية الخطيرة. * ما هي الحالات المرضية في الأم التي يمكن ان تؤثر في الجنين؟ ـ يمكن لأي مرض اثناء الحمل ان يؤثر في الجنين. وهناك حالات يجب الانتباه لها والسيطرة عليها كالسكري الذي لو لم يعالج بشكل منضبط قد يؤدي الى جنين مصاب بمرض في القلب او تشوه في الفقرات العجزية او عدم نضوج الرئة. وكذلك فإن امراض الغدة الدرقية ممكن ان تؤثر بشكل سلبي على الجنين، فيكون مصابا بما يشبه اصابة الأم. وهناك امهات يصبن بنقص الاقراص الدموية الذي قد يصيب الجنين نفسه، كما ان اصابة الأم بمرض الذئبة الحمامية الجسدية Systemic Lupus Erythematosus قد تصيب الجنين بانخفاض في ضربات القلب والطفح الجلدي. بالاضافة الى ما ذكرناه فإن هناك امراضا تنتقل عن طريق الوراثة بواسطة الجينات، حيث يوجد في كل شخص حوالي 30 ألف مورث جيني، وبما ان الطفل يحصل على نصف مورثاته من كلا الابوين فإنه يلزم التأكد قبل الزواج او قبل الحمل من عدم حمل الابوين للصفات المرضية التي تورث في حال زواج الاقارب، ونخص هنا ابناء العمومة من الدرجة الاولى. وفي حالات كهذه يمكن للابوين زيارة الطبيب الاختصاصي بالامراض الوراثية Genetist. * هل يمكن تلافي التشوهات الجنينية بشكل تام؟ ـ يمكن تلافي الكثير منها، لكن هناك تشوهات لا يمكن تلافيها لعدم معرفة اسبابها، لكن يمـكن ان يتم تشخيصها بوقت مبكر خلال الحمل. وهناك بحوث عديدة ومستمرة لمعرفة اسباب هذه الحالات لكي يتم الوقاية منها مستقبـلا، وتقدر البحوث نسبة التشوهات غير المعروفة الاسباب بحوالي %60 من جميع التشوهات.
|