أمهات ينتظرن بر الأبناء في رمضان

قالت وغصة في حلقها لم تخف معنى الألم: عندما كان طفلا تمنيت أن يكبر وأراه رجلا يساوي الحياة بكل ما فيها
وتكمل بذات الحرقة ..كنت أتمنى ان أحضنه شابا يافعا، وأكحل عيوني برؤيته ،وأداعب أطفاله ،فليس أغلى من الابن الا ابن الابن ،ولكنه توقف عن زيارتي منذ زمن بعيد ،فغاب وغابت صورته ،وبقيت ذكريات طفولته..!
هي كلمات أم لم يعد ابنها يطرق أبواب حياتها ،بعد ان غيرته الدنيا واصبح يرى ان زيارة والدته وبرها أمر صعب لم يعد قادرا على فعله ... فحياته تغيرت، بعد ان تزوج وانجب اطفالا ،ورغم كل دعوات البر والرحمة في شهر رمضان المبارك وللأن لم يتفقد والدته ولم يسأل عن أحوالها أويطلب رضاها ولم يقبل يديها .
ورغم ذلك عندما تتحدث ( ام محمد ) عنه تبدا حديثها وتنهيه بالرضا عليه فتقول ( قلبي يحترق وعيوني اشتاقت لرؤيته ورؤية اطفاله .... لكن الحياة غيرته وانسته امه الله يرضا عليه ويهديه ) .
وبالكاد استطاعت ان تكمل حديثها لانها اجهشت بالبكاء وتساءلت كيف يمكن ان يطل علينا شهر الخير و الرحمة وهناك ابناء لا يزورون امهاتهم واباءهم ويتنكرون لكل لحظة حب عاشوا فيها وهم اطفال وينسون حضن الأم وتعب سنوات عمرها.
ورغم انه شهر البركة الا ان ام محمد تعيش وهي تقبل يوميا صورة ابنها وصور اطفاله الذين لم ترهم منذ فترة ولم يطرقوا ابواب بيتها في شهر الخير والرحمة ، فاين رحلت الرحمة من قلب الأبناء ؟
تنكر الابناء لامهاتهم وابائهم والامتناع عن زيارتهم وبرهم من القضايا الاجتماعية التي تحمل بطياتها حزنا كبيرا يعيش بين ثنايا قلوبهم لتتحول ايامهم الى حزن والم وحسرة بابتعاد ابنائهم عنهم وكيف لا وهي الام التي حملت وربت وتحملت كل هذا العناء ، وهو الاب الذي كان ينتظر الايام يوما بيوم ليرى ابنه شابا يفاخر به وعندما اصبح شابا نسي والديه وحطم امالهم .
وكذلك ( ام عمران ) ؟ فبعد ان تزوج ابنها قبل ثلاث سنوات انقطع عن زيارتها ولم تعد تراه فقد رفضتها زوجته وكان شرطها لأستمرار الزواج عدم زيارته والدته .
وتقول ام عمران : حاولت ان ابقى على اتصال مع ابني الا انه بدأ بالتهرب مني عاما بعد عام وكان يقول لي انه دائم الانشغال ، حتى في بعض المناسبات كشهر رمضان والاعياد لا ياتي لزيارتي ويكتفي بارسال رسالة على الهاتف النقال للمعايدة، وتضيف : في لحظات كثيرة وخاصة في هذه الايام اجلس لأستعيد ايام طفولته واقلب صوره واتذكر كم تعبت في تربيته وكم كنت سعيدة بذلك فكل لحظة تعب كنت امر بها كانت هي مصدر سعادة وفرح .
وتستذكر عندما كان يعاني من المرض كنت اسهر اياما بجانبه كي يشفى وادعو الله ان يحميه من كل سوء وعندما كان ينجح بحياته كان بالنسبة لي منتهى الفرح ،ربيته بدمي وقلبي وحياتي لكنه اليوم لم يعد طفلا وما زلت اتمنى أن احضنه مرة اخرى قبل وفاتي .
وتكمل : يا ليت السنوات تعود للوراء ويعود طفلا ينام في حضني فاداعب خصيلات شعره واشتم رائحته واشعر اني امتلك الحياة باكملها ؟
وكما يعيش هذا الالم في نفوس كثير من الاباء و الامهات لجحود ابنائهم اتجاهم فهناك منهم من يعيش في دور المسنين ... يقضون ما تبقى لهم من ايام بدور تراعاهم وتقدم لهم ما يحتاجونه لان الابناء لم يبروا بهم ويرحموهم كما امر الله سبحانه وتعالى في القران الكريم بقوله تعالى ( وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا ).
هؤلاء المسنون في دور الرعاية منهم العاجز جسديا ومنهم من لا يشكو من شيء الا انه لم يعد هناك متسع له في حياة ابنائه فاصبحت دور الرعاية هي اسرته وهي كل ما تبقى له في هذا العمر..
مسعدة احدى الامهات في دور الرعاية ، قالت اثناء زيارتنا للدار قبل ان يتوفاها الأجل : اسمي مسعدة لم اذق طعم السعادة في حياتي منذ اللحظة التي تركني بها ابنائي فجمعيهم يعملون خارج البلد ولا يرغبون ان اكون بينهم لا البنات و لا الاولاد فكان قرارهم ان اكون في دار المسنين .
وهي واحدة من مئات المسنين الامهات والاباء الذين يمر عليهم شهر رمضان والعيد وينتظرون زيارة ابنائهم لهم ،والبعض يحظى بهذه الزيارة واخرون يبقون على موعد مع الانتظار ،دون اي أمل بتحقيق الحلم ولو لمرة واحدة فقط .
كبار السن هم امهاتنا واباؤنا يحتاجون لرعاية خاصة ويحتاجون للشعور بالامان من قبل ابنائهم بعد ان افنوا حياتهم بالتربية وتحملوا عناء هذه الكلمة بكمل ما تحمله من مشقة جسدية خاصة بالنسبة للأم سواء خلال فترة الحمل والولادة وتربيتها لاطفالها .
ولكن هناك من الابناء من يتنكر لكل هذا ويتنكر لدينه ولأوامر خالقه بالبر بوالديه ومعاملتهما أحسن معاملة فقد ورد ان العاق لوالديه لا ينظرالله اليه و لا يدخل الجنة فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة حرم الله تبارك وتعالى عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر الخبث في أصله ولعل للابناء عبرة وعظة ،فيما روي عن ذلك الرجل حين جاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أرأيت إذا صليت الصلوات الخمس، وصمت رمضان، وأديت الزكاة، وحججت البيت فماذا لي؟
فقال الرسول : من فعل ذلك كان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين إلا أن يعق والديه
انها الام ، زيارتها بركة ودعاؤها بركة والاهتمام بها طوال ايام حياتنا كلها لا يوفيها جزءا بسيطا من حقها ومن تعبها.