أبو الحسن ابن الصباغ القوصي
--------------------------------------------------------------------
علي بن حميد بن إسماعيل بن يوسف، الشيخ أبو الحسن ابن الضباغ، القوصي، ذو الكرامات والأحوال ومن سره ظهر سر الشيخ عبد الرحيم والشيخ أبي يحيى بن شافع، وغيرهما من الأعيان.
ذكره المنذري، فقال: " اجتمعت به في قنا، سنة ست وستمائة، فظهرت بركاته على الذين صحبوه، وهدى الله به خلقاً. وكان حسن التربية للمريدين، ينظر في مصالحهم الدينية، وانتفع به جماعة " وذكره العالم المنفلوطي في " رسالته " وذكر شيئاً من أقواله وأفعاله.
وقال: " دخلت عليه في مرضه، فسألته عن حاله، فسمعته يقول: " سألت: من الذي بي؟ " قيل لي: " ابتليناك بالفقر فلم تشك وأفضنا عليك النعم فلم تشغلك عنا، وما بقي إلا مقام الابتلاء لتكون حجة على أهل البلاء.
قال، وسمعت زوجته عائشة ابن الشيخ عبد الرحيم،: سمعته يردد هاتين الكلمتين وحده مراراً في مرضه ولما كان في وفاته كرر الشهادتين ثم قبض.
قال:، وسمعت فقيراً من أصحابنا يقول: " حضر قوال ودف وشبابه، وعملوا سماعاً والشيخ في ناحية فأنشد القوال " .
أغضبت إذ زعم الخيال بأنه ... إذ زار، صادف جفني عين مغمضاً؟
لا تغضبي، انزار طيفك في الكرى ... ما كان إلا مثل شخصك معرضاً
وافي كلمح البرق صادف نوره ...غسق الدجنة، ثم للحال انقضى
فكأنه ما جاء إلا زائراً ... للقلب، يذكر من وصالك ما مضى
وحياة حبك! لم انم عن سلوة ... بل كان ذلك للخيال تعرضا!
يا ضرة القمرين من كنف الحمى ... وربيبة العلمين من وادي الغضا
قال: فلما انشد البيت الثالث: " وافى كلمح البرق... " قام الأمام في السماع، وقام القراء لقيامه، وخلع على الفوال رداء كان عليه، ثم خلع الجماعة أثوابهم " .
وكان يتمثل بهذه الأبيات:
تسرمد وقتي فيك فهو مسرمد ... وأفنيتني عني، فعدت مجردا
وكلي ... بكل الكل وصل محقق حقائق حق، في دواماً تخلدا
تفرد أمري، فانفردت بغربتي ... فصرت قريباً، في البرية أوحدا
وكان ينشد هذه الأبيات:
بقائي فناء في بقائي مع الهوى ... فياويح قلب في فناء بقاؤه
وجودي فناء في فنائي، فإني ... مع الأنس، يأتيني هنياً بلاؤه
فيا من دعا المحبوب سراً فسره ... أتاك المنى يوماً أتاك فناؤه
وصحب جماعة من العلماء: كالمجد القشيري، والشيخ أبي القاسم المراغي.
وممن ظهرت عليه بركاته: الشيخ أبو يحيى، والعلم المنفلوطي، والشيخ المغاور، والشيخ أبو إسحاق بن عديس، ورفاعة، وخلق يطول تعدادهم.
مات منتصف شعبان، سنة ثلاث عشرة وستمائة، قاله المنذري، زاد العلم البرزالي: " عند طلوع الفجر " . ودفن بقنا، تحت رجلي شيخه عبد الرحيم القنائي.
ومن شعره:
تجردت من دنياي والسيف لم يكن ... ليبلغ نجح السعي حتى يجردا
وكان إذا جائه أحد يريد الانقطاع إليه اطرق ملياً فأن رآه في اللوح المحفور قبِله، وإلا تركه.
واجتمع به الشيخ يوسف المغاور القرطبي، الذي قال له الغزالي: " ما أنت لي!، أنت لرجل تلقاه في أخر عمرك بمصر! " .
كان لا يتأثر بشيء، أقام في أسوان، في أخذةٍ اخذها، اربعين يوماً؛ ملفوفاً في كساء، لم يتحرك منه عضواً وأحدا، فسئل عن ذلك، فقال: " كنت فيها بين المحمدية والموسوية، يعني المحبة والمكالمة " .
قال ابن الصباغ في حقه: " اطلعه الله على علمه " .
وأما أبو القاسم بن سليمان بن قاسم بن الصباغ الأدفوي فآخر كان عليه سمة الصالحين. وله نظم، ويقترح فيه لغة. انشد الشيخ تقي الدين القشيري قصيدة فقال له: " هذه اللغة جمعتها من الكوم " .
وكان يدعى انه يحصر دخان المعصرة، كم يجئ منه قنطار قند، والأردب السمسم كم حبة، وأنه بال في النيل فزاده، وانه طلع على برباة وكسر التتار.
ومات سنة أربع وتسعين وستمائة.
طبقات الأولياء - (1 / 74)