للصوم الذي فرضه الله تعالى على المسلمين حكم عظيمة فهو مدرسة يتربى فيها المسلم على طاعة الله، وفيه تزكية للنفس وتنقية لها من الأخلاق الرذيلة؛ خاصة أنه شرع في شهر من خصوصياته تصفيد الشياطين، قال صلى الله عليه وسلم: ''إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين''.أخرجه البخاري ومسلم.
ولهذا يضيق الصوم مجاري الشيطان في بدن الإنسان وفي الحديث:''إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم''، إلا أنه بالصيام يضعف نفوذه، فإذا أكل المرء أو شرب انبسطت نفسه للشهوات، وضعفت إرادتها، وقلت رغبتها في العبادات، ، ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يوصي الشباب والذين تموج بهم عواصف الشهوات، وتكون غرائزهم مهيأة لاقترافها أكثر من غيرهم بالزواج؛ فإن لم يستطيعوا إليه سبيلا، فإن أنجع طريق لهم مقيدة لشهواتهم وكسر حدتها؛ الصوم؛ فيقول عليه السلام: يا معشر الشباب: ''من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء'' أخرجه البخاري ومسلم.
ويقول العلماء : أن الصوم الذي ينصح به صلى الله عليه وسلم الشباب غير القادرين على الزواج وتبعاته خاصة المادية هنا وليس الجسمية من شأنه أن يكسر حدة الشهوة ويحول دون قهرها أو تعطيلها، وهو علاج مرحلي لأعانة الشباب على العفة والطهر والاستقامة والسلوك النظيف.
يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد : ''وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة، والقوى الباطنة، وحمايتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها؛ فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات.
ويقول الإمام الكمال بن الهمام في كتابه فتح القدير فوائد الصوم: ''أن الصوم يسكن النفس الأمارة بالسوء ويكسر فورتها في الأمور المتعلقة بجميع الجوارح من العين واللسان والأذن والفرج؛ ولذلك قيل: إذا جاعت النفس شبعت جميع الأعضاء، وإذا شبعت جاعت كلها''.