صلاح ابوشنب عضو مميز
78 03/01/2013
| موضوع: شهدايــــــة عسلية ( قصة قصيرة ) لصلاح ابوشنب الخميس 3 يناير - 22:36 | |
| شَهْدَاية عسلية لصلاح ابوشنب كان الطقسُ حاراً فى شهر يوليو فى الاسكندرية ، فأعرض عن ركوب الترام التى تقله من محرم بك الى بحرى تفاديا لحر الزحام الذى يُزهق الأنفاس، فضَّل السير على قدميه بعدما عثر على من يُسليه فى الطريق . زميله فى العمل ، هذا الشاب النكتة الطويل القامة، ذو العينين الخضراوتين أشبه كثير بالانجليز وصاحب الناضور المقعر الذى لا يغادر عينيه ، يكره ركوب الترام على طول الخط ، يفطس من الضحك كلما ركبها ، فى أحيان كثيرة يغادرها وينزل فى أقرب محطة مُكيلا اللعناتِ على من صممها .. لماذا لم يجعل مقاعد الركاب بعضها خلف بعض مثل القطار ؟ .. أنه لغبى حقا. كيف صمم كل عربة بحيث تشمل على أريكتين مستطيلتين أحدهما تقابل الاخرى . إنه يـَفْطِسُ على نفسه من الضحك عندما ينظر الى الجالسين على تلك الأرائك. ورغم الفارق الشاسع بين الحالين ، الا انه كان يتذكر الآية الكريمة: " على الارائك ينظرون " ، ويقول شتان بين هؤلاء وأوُلآئك . فهؤلاء يجلسون على هذه الأرائك المتقابلة ولا يستمتعون بما حولهم ولا حتى يراقبون ما قد يجرى فى الشوارع التى تخترقها الترام التى تـُقلهم . إنهم جميعا مُكـَشرون مبوزون ، مكتئبون ، غارقون فى عرقهم وهمومهم ، كل واحد منهم صنع عالمه الخاص وسرح فيه، تفوته عليه المحطة دون أن يدرى إما لأنه غارقا فى نوم ، أو حاسباً كم يوم بقيت على انتهاء الشهر.. !!! صورة لا تريد أن تتغير إلا الى الأسوأ ، ليس لها مواعيد فهو يراها فى أول الشهر تماما مثلما يراها فى منتصفة وفى آخره . ينظر اليهم فى دهشة فيدركه الضحك .. يضع منديله فوق فمه ليلجمه من الإنفلات. لم يكن الاتوبيس عنده بأحسن حالا من الترام فالناس فى كليهما يشكلون لوحة واحدة مطلية بنفس الأصباغ وتنقل اليه نفس الانطباع ونفس الإحساس بالضحك المتوأم بالألم . كان يهرب الى الشارع الرحب ويفضل الجلوس فى الحدائق لاسيما البقع المتطرفة منها ، حتى لا يشده مشهدٌ من تلك التى يتجنب رؤيتها. كانت شوارع الاسكندرية فى مطلع السبعينيات نظيفة وهادئة وخالية تماما من الزحام، هذا الزحام الذى لا يُشـَاهَدْ الا نادرًا فى المواصلات العامة وفى ساعات الذروة فقط .وما سوى ذلك فليس هناك أمتع من السير شوارع مدينتى التى يستوى فيها الهدوء فى الداخل مثلما هو على الشاطىء المعشوق. سوف اصطحبك يا صديقى اليوم كى يؤنس بعضُنا بعضاً حتى نقطع تلك المسافة الطويلة بغير ملل. التخريمة سهلة شارع نبيل الوقاد ثم شارع زين العابدين ومنه الى الكوبرى أبو عين واحدة . الشمس لم تنكسر بعد .. المنطقة عند ملعب البلدية مكشوفة ، لكن الهواء القادم من البحر مباشرة عبر شارع ابراهيم عبد السيد يتلقاه صدريهما بانتعاش . بائع الشهد يجر عربته .. العربة ممتلئة والطريق طالع .. سارعا اليه يساعدانه فى دفع العربة لتعبر شارع لومومبا . أمتن الرجل لهما .. قدم اليهما شهداية سمينة تفوحُ رائِحَتـُها لتفتح شهيتيهما ، أصرا على دفع الثمن .. قبل الرجل بعد الحاح . جلسا على النجيلة الخضراء فى حديقة الإسعاف الرحبة المقابلة للمدخل الرئيسى لملعب البلدية . كانت الشمس قد مالت قليلا فكسى الظل مساحة من الحديقة .. قام صديقه بالإمساك بالشهداية وقطـَّعَها نصفين وشرع فى مد يـَدَهُ اليه ليناوله الجزء الذى كان من نصيبه. فجأة وبلا مقدمات قفز فى الهواء صارخًا فزعًا ورمى بنصف الشهداية بقوة بكل ما فيه من عصارة وبذورة فى وجه صاحبه الذى كان جالساً فوق النجيلة يشتهى التهام نصيبه بفارغ صبر. قام ينفض عن وجهه وملابسه ما علق بها ويطلب اليه الكف عن هذه الحركات السخيفة . لكنه لم يكن يملك سوى الصراخ والقفز فى الهواء والهبوط على الارض ضاربا قدميه بقوة قائلا : - فيه حاجة بتلعب جوّايا !!! - حاجة أية بلاش مسخرة ..؟ - اضربنى على ظهرى من فضلك .. أنا خلاص ح اتجنن ..اضربنى يا جدع مستنى ايه ؟..!! - أنت أتهوست . . مش كفاية ضيعت علينا الشهداية ؟ - بقولك اضربنى على ظهرى .. اضرب بقوة .. اضرب لحد ما أقول لك بس !!! وبينما هو يقفز والثانى يضرب إذ سقطت من فتحة رجل البنطلون سحلية سمينة خضراء كالحرباء تبرق فى وهج الشمس . ******** | |
|