صلاح ابوشنب عضو مميز
78 03/01/2013
| موضوع: عم طقطق - قصة قصيرة لصلاح ابوشنب الجمعة 4 يناير - 9:09 | |
| عم طقطق لصلاح ابوشنب نشأنا صغارًا فوجدناه عجوزًا وشيبة حُنى ظهرُهُ ومالت رأسهُ الى الأمام، لا تفارقُ طاقيتهُ البيضاء رأسَهُ التى تشبه ثوبَهُ ومريوله الجلدى المنسدلُ فوق صدرِه ، إنه عم طقطق البقال ، صاحب الحانوت القديم المتهالك، ذو السقف المقوس العالى والحوائط الحجرية الغليظة والأرفف الخشبية المقوسة التى ناءت بحمل أقراص الجبن الرومى الفائح الرائحة فساعدتها فى حملها صفائح السردين المملح المعتق بتوالى الزمن، فأصبحت رائحته النفاذة تخترقُ أنوفَ العابرينَ فتفتحُ الشهيةِ وحبُّ والشراءِ. يقضى وقتا كافيا للعثور على مطلوب زبونه، كراكيبه كثيرة كُوِّمت فوق بعضِهَا البعضُ، صفائحُ الجبنِ فوقَ صناديق الرنجة، صفائح الحلاوة الطحينية بجوار بلاليص المش، أقراص الجبنة التركى مرتكزة فوق صفائح السردين، أشرعة الخبز البلدى الحار مسترخية فوق براميل الطرشى الحامى الذى يسبب العطس. يكفيك أن تشترى شيئا واحداً لتحصل على مذاق كل ما يحتويه المحل من أطعمة . كان حانوته مُلتقى قطط الحى، وهو يعرفهم بسيماهم ويعرفونه ، برائحته ، منح كل منهم إسماً قصيرا مُلفتا ، فقد أطلق على زعيمهم "زِنْ " لانه كان دائم النواء حين يرى طقطق يبدأ فتح أبواب محله الخشبية المجزأة ألواحاً تـُرَكـَّب بُعضُها فى بعض بواسطة مفاصل حديدية ، وعلى أنثاه "طِنْ " لأنها كانت تطنطن برأسها خلف ذكرها مرددة مُواءه المتواصل. يلتقط عم طقطق بسرعة إشارات " زن " ويترجمها فى رأسه فورا فيعرف بأنه يشتكى جوعه وخواء بطنه من أمس البارحة ، فيبدأ بالتقاط وحايد السردين والرنجة التى شارفت على الفساد ويلقى بها الى "زن " وزوجه. لكن البقية تغضب وتوحد صفوفها وتثور ضد "زن " وزوجته وتنطلق فى هجمة واحدة لتخطف ما بين مخلبيهما. لكن طقطق لا يقف مكتوف اليدين ويسارع الى فك الاشتباك فيما بين الفريقين بتقديم سلطانية مملوءة باللبن الحامض الذى كان يجهزه لتحويله الى مش ، مضيفا إليه بضع ملاعق من السكر المبعثر فى أركان المحل بسبب أجولة الخيش التى خرمها الفأر " خُرِيم " الذى اعتاد قرقشة السكر فى الليل وأثناء غلق المحل بالاشتراك مع زوجته " لـُحَيْسة " التى اعتادت لحس السكر المبعثر فى الأرض، كان طقطق يرفض ملاحقتها لانها تلعق ما يبعثره زوجها فى أرضية محله الضيق فيظن أنها تنظفه له. كان القط "بُن" المنافس الاكبر " لزن " وكانت بيهما عدواة كـُبرى بسب مُغازلة " بُن " لطن " فكان " زن " ذو اللون الأسود الفاحم يهجم على " بُن " بوحشية ولا يهدأ حتى يترك " بُن " المكان ثم يعود الى "طن " فيصفعها على وجهها بعَضَّة شديدة الألم، لأنها تجاوبت مع مواء "بُن" ، فتهرول هاربة من غضبه وهى ترتعش وتدخل الى دكان طقطق مستغيثه فيداريها تحث ثوبه عن عينيه. كانت القطط قد عقدت معاهدة سلام مع الفئران ، قسمت بموجها بضائع المحل بين الفريقين بحيث لا يتعدى أى فريق على مُخصصات الآخر . أما الصراصير التى اتخذت من الشقوق الغائرة مخابئى فقد أخرجوها من اللعبة ، ولا سيما الصرصور الاحمرالكبير الذى يدعى الخواجه الطيار، لانه يُعتقد انه من فصيلة دخيلة على الصرصور البلدى الحر، حيث أتفق الطرفان على قتله وتسليمه للنمل لأكله بشرط الا يتعدى النمل على السكاكر مُطلقا ويكتفى بالصراصير، وإلا اُعتبر منتهك للمعاهدة . سميرة بنت المعلم صبحى الترزى جاره فى المحل المجاور الذى توقف سوقه وانصرفت عنه الزبائن رغم انه كان يشتغل بنظام التقسيط طويل الأجل يعنى الشُكـُك المريح ، بسبب الملابس الجاهزة المهولة التى تأتى مهربة من ليبيا أوعبر تجار الشنطة من بيروت ، فاغلق المسكين حانوته وسرح الصنيعية وجلس على المقهى يلعب الدمينو على النوته انتظارًا للفرج. لا يفتح محله إلا فى مواسم الاعياد عَلَّ وعَسَى !! . تأتى سميرة كل صباح تنطنط حاملة شنطتها القماش " العبك " التى حاكتها لها جدتها وهى تغنى أنشودتها المفضلة : مدرستى بتفتح بدرى واخد غدايا واجرى .... - صباح الخير يا عم طقطق . - صباح النور ع البنور يا سمّـُورة . - ايه الصراصير الكتير دى يا عمو ؟ - عجباهم البضاعة ومش عايزين يسيبو المحل . - دول كلهم ميتين .. يا ماما .. أنا خايفة منهم يا عمو.!! - متخافيش دول مساكين ولا بيهشوا ولا ينشوا وعلى ما ترجعى م المدرسة مش حتلاقيهم . - أكيد أنت ح تكنسهم ؟ - لا .. وانا اتعب نفسى ليه . - يا سلام يا عمو والله أمرك غريب ، أمال ح تسيبهم كده .؟ - لا يا سمورة .. هم ح يقضوا على بعض . - بصراحة أنا مش فاهمة حاجة .. المهم .. عندك جبنه بيضة ملحها قليل ؟ - عندى أحلى جبنة . - أدوقها الأول . - اتفضلى يا ستى . - الله .. لذيذة قوى يا عمو بس ملحها زايد شوية .!! - بسيطة .. دوقى يا ستى اللى ملحها شوية يمكن تعجبك . - آه .. دى لذيذة بجد .. ألآقى عندك جبنة رومى بطارخ ؟ - بطارخ مرة واحدة .. انتى كسرتى خزنة ؟ - لا يا عمو أنا آسفة كسرت بيضة .. بيضة واحدة بس النهاردة .. آسفة كمان مرة . - الحمد لله انها بيضة واحدة.!! - ح أخلى بابا يحاسبك عليها . - لا ياستى فداكى .. هية يعنى كانت حتفقس كتاكيت .. دول العشرة بقرش صاغ .. !! - دوقنى حتة الأول !! - خدى بالك جبنة رومى لسة جاية من وكالة اللمون تحفة . - يآه .. طعمها يجنن يا عمو ، بس فيها لسعة شوية .. بلاش منها . - مش عجباكى .؟ - لا .. سيبك منها ..ياترى عندك حلاوة طحينية شعر .؟ - وطبعا عايزة تدوقيها هى الاخرى ؟ - ما انت عارف انا ما بشتريش حاجة الا لما أدوقها الاول . - ما شى يا ستى اتفضلى دوقى براحتك . - بصراحة هى حلوة .. بس مكلكعة وزيتها كتير حبتين . - طيب ايه رأيك فى الحلاوة السكرية اللى بالبندق . - معقول .. أول مرة أعرف أن فيه حلاوة سكرية بالبندق . - يا لئيمة .. خدى دوقى واوعى تقولى مش عجباكى . - عندك حق .. طعمها يجنن .. احشيلى رغيف من كل حاجة حتة . - خدى يا ستى رغيف محشى مولع ومن كل حاجة حتة بس ده بقرش ونص. !! - طيب خد الفلوس من بابا لما يفتح . - لما بابا يفتح .. ياه .. حِللينِى .. موت يا حمار .. أنا دايما باقول القطط والفيران ارحم. ****
| |
|